الرئيسية / مقالات / الله الذي .. يحبنا و يساعدنا و يحاسبنا (2)

الله الذي .. يحبنا و يساعدنا و يحاسبنا (2)

الله  الذي .. يحبنا و يساعدنا و يحاسبنا (2)

د. فيروز عمر

أشرنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى أهمية التربية الروحية، حيث اعتبر عالم النفس ابراهام ماسلو أن “حدوث الاضطرابات الروحية يؤدي إلى الشعور بفقدان المعنى في الحياة و الانهيار السهل أمام ضغوطها”. وذكرنا أننا نحتاج لفتح هذا الملف مع اقتراب شهر رمضان الكريم لندعو الآباء والأمهات مع اقتراب المواسم الدينية أن ينتبهوا لتلبية الاحتياج الروحي للطفل على نحو يحميه من التشوهات النفسية. وذكرنا أن أبناءنا يحتاجون إلى ثلاثة أركان روحية أساسية تمنح حياتهم معنى: 1) أن الاله يحبه ويرحمه، 2) أن الاله قادر على مساعدته، 3) أن الاله يحاسبه على مسئولياته. وتحدثنا عن الركن الأول، و اليوم نتحدث عن الركن الثاني و الثالث.

  1. أن الله قادر على مساعدته:

لعل أحد أنجح البرامج العالمية في علاج الادمان هو “برنامج الاثنى عشر خطوة”، وأحد أسباب نجاحه ترجع إلى أنه يتضمن مكونا روحيا من أجل التعافي، حيث أجريت دراسة أمريكية شهيرة سنة 1985 على المدمنين فوجد أن نسبة التوقف عن التعاطي فيمن اشتركوا في برامج روحية زادت نحو  عشرة أضعاف الذين يشتركون في برامج غير روحية.  لذلك جاءت عدة فقرات من الخطوات الاثنى عشر للعلاج متضمنة معنى اللجوء إلى الله لأنه قادر على مساعدتنا، مثل “أن قوة أعظم من أنفسنا باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب” ، “سألناه بتواضع أن يخلصنا من نقائصنا”.

فالنفس عندنا تقع فريسة لانحراف سلوكي عنيد، تشعر بالضعف الساحق أمامه، و العجز عن تعديله، وبالتالي تستسلم له، فتنزلق في الخطأ تلو الآخر، فنجد أن من انحرف نحو التعاطي ينزلق نحو الادمان ثم السرقة ثم الاتجار والفشل والانتحار أو السجن. ونقطة البداية تكون من الطفولة أو المراهقة، لذلك يحتاج الطفل أو المراهق إلى الشعور بأن هناك إله قوي قادر على مساعدته وقت ضعفه أمام أهوائه وانحرافاته، وأن عليه أن يبدأ و يجاهد نفسه و يستميت في استخدام كل الوسائل، ثم إلى جانب هذا كله يرجو من الاله أن يأخذ بيده و يمنحه القوة ليعدل سلوكه و يبتعد عن طرق الهلاك.

لذلك لابد أن ينتبه الأبوان إلى:

  • الاشارة دائما إلى قدرة الله وقوته التي فوق قوة البشر (يتأثر الأطفال كثيرا بالأفلام العلمية التي تتحدث عن مراحل خلق الجنين أو عن الكواكب و المجرات أو عن عالم البحار و الحيوان .. إلى غير ذلك من الوسائل البصرية التي تجعلهم يلمسون قدرة هذا الاله وقوته) وبالتالي يشعرون أن القوة التي أنتجت كل هذا قادرة أيضا على مساعدتهم في رحلتهم مع أنفسهم.
  • عدم الاعتمادية على قوة الله، وإنما مع ذلك لا مفر من الجهد و البذل و استفراغ الوسع و الصبر وتحمل الطريق الطويل.
  • الاشارة أن المساعدة قد تأتينا من طريق غير الذي نعلمه، فالطفل أو المراهق عليه بذل الجهد وطلب العون من الاله، وهو سيساعده ربما من حيث لا يتوقع أو بوسيلة غير تلك التي طلبها.
  1. أن الله يحاسبه على مسئولياته

سيظل الله محبا رحيما، وسيظل معينا مساعدا، ولكنه أيضا يكلف الانسان بمسئوليات و سيحاسبه يوما ما على اجتهاده في الالتزام بها قدر استطاعته. وربما تختلف الأديان حول تفاصيل تلك المسئوليات، ولكن هناك أركان لا يختلف عليها دين أو حتى انسان سوي. لا تختلف الأديان حول أن المراهق يحتاج أن يشعر بأن الاله سيحاسبه أنه في ذلك اليوم تحرش بتلك الفتاة، أو أنه سيحاسبه أنه خان أو سرق أو اعتدى، أو أنه ضرب أخاه الأصغر أو سخر من زميله البدين. كل ما نحتاجه هو أن يشعر الطفل أو المراهق عندما يؤذي قطة صغيرة أو يعذ ب كلبا أو يظلم انسانا أن هناك قوة عليا تراه و ستحاسبه يوما ما.

ولا نريد هنا أن نبالغ في تخويف أبنائنا –لأن العلاقة بالاله أصلها الحب و الرحمة- ، ولكننا نريد فقط أن نزرع ذلك الجهاز الذاتي المسمى “الضمير” والذي يوخزه كلما خالف مسئولياته كانسان، و يذكره أنه يوما سيحاسب. ولا تعارض بين أن أحب الاله و بين أن أكون متحملا مسئولياتي ومستشعرا مراقبته ومستعدا –قدر استطاعتي – لمحاسبته لي.

وختاما .. يحتاج أبناؤنا لتلبية الاحتياج النفسي إلى حب الله ورحمته، و إلى الشعور بقدرته على المساعدة، والشعور بمراقبته ومحاسبته، ولكن يجب ألا ننسى أن أبناءنا هم “بشر”، وأن الضعف هو جزء من طبيعتهم البشرية، وأن التربية الروحية الايجابية لن تحولهم إلى ملائكة، ولكنها فقط ستجعلهم “بشرا” أفضل، أكثر اتزانا وسكينة، أكثرا تساميا فوق الدونية و الأهواء، أوعى ضميرا وبصيرة، أكثر رحمة بالبشر وحبا للخير، أكثر تقبلا لضعفهم و أكثر محاولة لعلاج أخطائهم، أكثر أملا في أنفسهم وفي الحياة.

 

عن qalb kabeer

شاهد أيضاً

كيف تكون أباً ديكتاتوريا جميلا؟

كيف تكون أباً ديكتاتوريا جميلا؟ د. فيروز عمر لم يكن مُستغرباً بالنسبة لي أن أكتشف …