الرئيسية / مقالات / في العيد .. افرحوا … وساعدوا أبناءكم على الفرح

في العيد .. افرحوا … وساعدوا أبناءكم على الفرح

في العيد .. افرحوا … وساعدوا أبناءكم على الفرح

د. فيروز عمر

كثير من بيوتنا تعاني ضغوطا وكئابة على مدار العام بسبب مسئوليات الحياة، أو انشغال الأب و الأم، أو الخلافات الأسرية، أو الظروف الاجتماعية… ولذلك فإن المربيين المبدعين هم فقط الذين يتلمسون أية فرصة أو مناسبة  لكسر هذه الكئابة، وفتح نافذة لادخال نسمة هواء ناعمة على علاقاتهم داخل الأسرة.

ولكن كثير منا – مع الأسف –  يقومون بالفعل بإحياء هذه المناسبات ولكن بشكل يحول المناسبة أو الفرصة ذاتها إلى مصدر اضافي  من مصادر الضغوط!! فيتحول رمضان إلى مآدب تجلب العبء الجسدي والمادي والنفسي على الأسر، و تتحول الأجازة إلى سلسلة من الشجارات حول المكوث طويلا أمام الكمبيوتر، وتتحول الأعياد إلى مجموعة من الطقوس الميتة التي يمارسها الأبناء بلا روح.

وها هو العيد يطرق الباب، ليطرح علينا السؤال: هل نحن مستعدون لمراجعة أسلوبنا في التعامل مع المناسبات على نحو يمنح أبناءنا الفرحة أو يغذي حياتهم بالذكريات الجميلة؟ وكيف سنفرح و يفرح أبناؤنا في العيد؟

والاجابة عن هذا السؤال تستلزم أن نعرف “ما الذي يفرح أبناءنا” حتى يتحول هذا الفرح إلى ماء عذب يروي العلاقة بيننا، وهذا سؤال صعب بالمناسبة!!

والفرح في العيد يرتبط غالبا بوجود أمرين، كلما تحققا شعر الأبناء بفرحة العيد، وهما : المعنى المبهج، والحب والتواصل.

  1.  أن يكون للعيد معنى مبهج:

البعض يعتبر أن الأجيال السابقة كانت أكثر فرحا بالعيد في طفولتها من أطفال العصر الحالي، فكانت تسعدهم الهدية أو العيدية أو النزهة البسيطة، أما الأجيال الحالية فقد ارتفعت تطلعاتهم واعتادوا الاستهلاك، ولم تعد تلك الأمور تسعدهم. وأتصور – من وجهة نظري – أن هذا التفسير ليس دقيقا تماما، وأن السبب الحقيقي لانخفاض السعادة أن العيد فقد معناه لدى كثير من الأطفال، وتحولت الهدايا و المراسم و الموائد إلى طقوس روتينية، ولا جديد!! لا روح ولا حياة!!

لذلك، اذا أردت أن تعيد فرحة العيد للأطفال اجعل للعيد معنى مبهج، أي ابحث عما يبهج أطفالك واربطه بالعيد، وخذ في اعتبارك أن الأطفال ليسوا سواء، وأن ما يبهج هذا قد لا يبهج ذاك:

  • اذا كان أحد أبنائك يبهجه لعب الكرة، فاربط العيد بمباراة كرة سنوية تلعبها معه.
  • اذا كان ابنك يحب الرسم، فاربط العيد بشراء أدوات رسم هذا العام، ثم تجهيزات فنية في العيد التالي، ثم كتاب عن الرسم في العيد الثالث أو معرض رسم في العام الذي يليه.
  • اذا كانت ابنتك تحب الغناء فأقم حفلة عائلية كل عيد واجعلها تشارك فيها بأغنية.
  • واذا كان هناك أقارب أو معارف يحبهم أبناؤك ولا توجد فرصة لزيارتهم أثناء العام، فاحرص على أن يزوروهم في العيد لأن هذا هو المعنى المبهج للعيد بالنسبة لهم.(وأكرر: يحبهم أبناؤك في الأساس، ثم أنت)

ويبقى هذا واجب كل مربي، أن يسأل نفسه استعدادا للعيد: ما هو المعنى المبهج الذي ستربطه هذا العام بالعيد، دون أن تفرض على أبنائك ما كان يبهجك أنت في طفولتك أو ما هو سائد في عرف الناس.

 

  1. الحب و التواصل:

فأجمل ما في ملابس العيد ليس ارتداؤها، وإنما لحظات شرائها!! ابتسامة الأم وهي تتسوق مع ابنتها لشراء الملابس، عندما صعدا السلم الكهربائي وهما تضحكان، عندما احتضنتها أثناء قياس الملابس، أو عندما أعطتها مساحة من الحرية و الاختيار ولم تسخر من ذوقها… هذه التفاصيل الصغيرة هي العيد، لأنها تحمل الحب و التواصل والأمان.

وربما كانت الأجيال السابقة أكثر احساسا بالحب و التواصل المرتبط بالعيد – ربما-  بسبب الترابط مع الأقارب الذين يحبونهم، أبناء العم و أبناء الخال المتحابين معهم، يسعدون باللعب معهم والتسامر وبعض المغامرات و الأسرار.

فاذا أردت أن يفرح أبناؤك في العيد، لابد أن يرتبط العيد بالحب. ربما حبك أنت، فاجعلهم يشعرون بأعلى درجات حبك وأجمل صور التواصل معك في يوم العيد وأثناء الاستعداد له. اجعل العيد فرصة لاذابة الخلافات أو الجليد الذي تراكم بسبب برودة الحياة. تحرر من ضغوطك وحررهم أيضا من تلك الضغوط، وابحث عما يشعرهم بالحب:

  • ربما يشعرون بالحب عندما تلعب معهم لعبة محببة لديهم
  • قد يحتاجون أن تستمتعا بحوار يجمعكم دون وعظ أو ارشاد،وإنما تستمع أنت أكثر مما تتكلم
  • ربما تحتاج أن تخرج قليلا عن تخشبك، فتغني أو ترقص أو تلعب.
  • سيحتاجون أن يروا الابتسامة على وجهك، ويستمتعون بالمزاح معك أو أن تعطيهم الفرصة لعرض مواهبهم أو أفكراهم أو مشاعرهم

ولنتذكر جميعا أن زماننا غير زمان أبنائنا، وظروف نشأتنا غير ظروف نشأتهم، ونحن أنفسنا نختلف عن آبائنا وأمهاتنا، ولنراع أن هناك ظواهر اجتماعية ضدنا، مثل:

  • انتشار الألعاب الالكترونية بشكل سرطاني لتسرق أبناءنا منا في العيد
  • تباعد المسافات بين الأهل و الأقارب بسبب ظروف السفر أو انقطاع الروابط الاجتماعية مما يجعل أطفالنا داخل كهف منعزل
  • النضج العقلي لأبنائنا و المراهقة المبكرة التي يعيشها بعضهم مما يعجل بمقاومتهم لأفكارنا، أو رغبتهم في الانعزال عنا ليعيشوا العيد مع أصحابهم وعلى طريقتهم.
  • غياب الألعاب الجماعية (أو ألعاب الشارع)، وهي ألعاب شعبية يصممها الأطفال ويمارسونها معا فتسعدهم كما تنمي ذكاءهم الاجتماعي.
  • الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها ، والتي خيمت بظلال الكآبة على الأسر وربما فرقت شملهم أو أفقدتهم أحد الأفراد.

كل هذه الظواهر لا تعني استحالة الفرح في العيد، ولكنها فقط تعني أن التحدي أكبر، وأن هذا التحدي الأكبر يحتاج استعدادا أكبر، وابداعا أكثر، وقدرة على ابتكار البدائل من أجل الفرحة في العيد.

وفي هذا السياق أقول: حتى يفرح أبناؤنا لابد أن نكون نحن أولا قادرين على الفرح!! قادرين على البهجة، قادرين على الحب، متمسكين بالابتسامة و الحيوية و السعادة، وأن نحول الليمون المر إلى شراب حلو، لأن أبناءنا لن يتركوا الألعاب الالكترونية للجلوس مع أب كئيب أو أم سخيفة، ولن يتجاوزوا آلام الحروب و الصراعات إلا اذا كانت أمهم قد تجاوزتها واستطاعت أن تنشر الفرحة وتثمن الحياة، ولن يقتطعوا من وقتهم مع أصدقائهم ليجلسوا محنطين في انتظار أم تقضي نصف يومها في المطبخ.

لذلك .. افرحوا … وساعدوا أبناءكم على الفرح.. وكل عام وأنتم في فرح…

 

 

عن qalb kabeer

شاهد أيضاً

كيف تكون أباً ديكتاتوريا جميلا؟

كيف تكون أباً ديكتاتوريا جميلا؟ د. فيروز عمر لم يكن مُستغرباً بالنسبة لي أن أكتشف …