العمل التطوعي للأبناء .. دواء وبناء …
فيروز عمر
يتصور بعض المربيين أن اشتراك أبنائهم في العمل التطوعي يعود بالمنفعة فقط على المجتمع، وأنه إذا عاد على الأبناء بالفائدة فهي
فقط تتمثل في الثواب أو في حب الخير، وهذا في الحقيقة غير صحيح. لأنه إذا كانت هناك كلمة سحرية تجمع كل الفوائد التربوية
لأبنائنا في عمل واحد، فهي العمل التطوعي وذلك لأنه يعلم أبناءنا الصبر و الجلد والدأب، والعمل الجماعي و إدارة الاختلافات،
والتفكير الابداعي وحل المشكلات، والقيادة و المبادرة، واكتشاف النفس وتنمية المواهب. وهو بالاضافة إلى ذلك، يعتبر من أفضل
وسائل تعديل السلوك في الطفولة، بل والتغلب على كثير من المشكلات النفسية في المراهقة، و التعافي من الاكتئاب أو الانحرافات النفسية في الشباب.
هذا على الجانب النفسي والتربوي، أما على الجانب العملي المستقبلي فإن الاعتياد على التطوع منذ الصغر، يؤدي لاستمراره في الشباب مما يمنح فرصا حياتي عملية مثل المنح الدراسية (حيث يعتبر التطوع عاملا مهما في القبول في هذه المنح)، وأيضا فرص التوظيف وخاصة لحديثي التخرج (حيث أصبح وجود الأعمال التطوعية في السيرة الذاتية مؤشرا إيجابيا للمتقدمين للوظائف). ولكن مع ذلك، تظل أهم قيمة للعمل التطوعي للأبناء هي: أنه يعطي للحياة معنى لديهم، لأنه يشعر الطفل بقيمته، وبأن له أثر ودور، وهذا ينعكس على ثقته بنفسه وعلى نظرته للحياة كلها.
ورغم ذلك، فإن العمل التطوعي لا يؤتي بكل هذه الثمار من تلقاء نفسه، وإنما يحتاج قدرا كبيرا من التوجيه و التركيز والدعم من
الأب والأم. ويتمثل هذا الدعم في ثلاثة نقاط أساسية:
1. ربما لن يسعى الابن بنفسه للتطوع، ولكنه يحتاج منك أن تقترح له المكان المناسب. وأقول تقترح وليس تطلب، لأن الأساس
في التطوع أنه يتم عن طواعية فإذا أصبح تكليفا فلن يختلف عن أي تكليف آخر كالواجبات المدرسية مثلا. ويفضل أن يكون
هناك تنوع في الترشيحات، وأن تستند الترشيحات على الذكاء الأعلى للطفل، فإن كان اجتماعيا يفضل ترشيح الأعمال
التطوعية ذات الطابع الاجتماعي، وإن كان لغويا فيفضل ترشيح أعمال ذات طابع لغوي … وهكذا.. وعندئذ فإن المساحات
الأقوى في قدرات الطفل ستسحب المساحات الأضعف إلى أعلى. بمعنى، أنه اذا كان متفوقا في اللغة ولكنه ليس اجتماعيا، فإن
تطوعه في جمعية لتعليم اللغة للأطفال المهمشين سيرفع لديه المهارات الاجتماعية التي سيمارسها أوتوماتيكيا كجزء لا ينفصل
عن دوره اللغوي.
2. سيتعرض الطفل لمشكلات وانتكاسات وتحديات أثناء عمله التطوعي، وهذا تماما هو المطلوب!! فالتطوع يفتح بابا لتحمل
المسئولية، وبالتالي يفتح بابا عظيما للفشل أو التعثر، وهنا يأتي دورك: البحث معه عن سبب التعثر –والذي سيكون غالبا
ضعف في مهارة معينة – ثم يبدأ العمل على منح الطفل ثقة في نفسه ووضع برنامج أوخطة لتقوية هذه المهارة. وهكذا كلما
توالت المسئوليات وتكرر التعثر كلما ازدادت قائمة المهارات المكتسبة بالتدريج و التدريب.
3. التشجيع وابراز النجاح والأثر، لأنه – كما ذكرنا – أهم قيمة للعمل التطوعي أنه يعطي لحياة الطفل معنى ويشعره بأن ليه قيمة
وأثر. لذلك لابد دائما من تعظيم هذه القيمة مهما كانت تبدو بسيطة، مع كل عمل يقوم به الطفل. وهذا يستلزم خطة متدرجة لدفع الطفل في أعمال تناسب كل مرحلة سنية له ليحقق نجاحا يناسب سنه، فيبدأ بالأعمال الخيرية البسيطة (مثل توزيع أشياء على الفقراء أو تعبئة طعام أو ملابس) ثم تتدرج نحو الأعمال التنموية (مثل تعليم أقران أو تدوير قمامة أو زراعة أسطح)
وأخيرا .. سيبدو لك أن العمل التطوعي يقتطع أحيانا من وقت الدراسة أو الواجبات المنزلية، وهذا في الحقيقة غير صحيح، فهذا
الاقتطاع ظاهري فقط، ولكنك اذا تعمقت في الصورة ستجد أن ساعة من التطوع تبني في الطفل مهارات وتعالج مشكلات قد يكون لها تأثير في شخصيته أكبر من دور المدرسة نفسها. وهذه ليست دعوة لإهمال الدراسة، ولكنها دعوة للنظرة للتطوع على أنه مسار للتنمية جنبا إلى جنب مع الدراسة، مما يجعله مستحقا لنصيبه من الوقت الذي يستحقه.