الرئيسية / مقالات / مهارات تربوية (2):  الثناء الوصفي

مهارات تربوية (2):  الثناء الوصفي

مهارات تربوية  (2):  الثناء الوصفي

د. فيروز عمر

ذكرنا في المقال الأول من هذه السلسلة أن التربية لا تحتاج فقط إلى معارف ، وإنما تحتاج أيضا إلى مهارات ومشاعر. ووضحنا أن اكتساب المعارف أيسر من اكتساب المهارات أو المشاعر حيث يحتاج كل منهما لتدريب طويل، وتدرج في الاكتساب. ثم تحدثنا عن مهارة التعاطف، واليوم نتناول مهارة “الثناء الوصفي”

أولا: ما هو الثناء الوصفي:

الثناء – عموما – يعني أن أوجه للطفل  كلمات الاعجاب بسلوك أو فعل قام به. ولكن علماء التربية يقسمون كلمات الثناء إلى نوعين: الثناء العام، والثناء الوصفي. والمقصود بالثناء العام أن أوجه للطفل كلمات فضفاضة مثل “هائل”، “برافو”، “ممتاز” .. وهذا النوع من الثناء له تأثير تربوي محدود للغاية، لأنه ينقل للطفل شعورا عاما بالرضاعن سلوكه، دون تمييز بين سلوك وآخر. وبالاضافة إلى ذلك، فإن الثناء العام به شبهة “مجاملة” أو “عدم اهتمام” أو “عدم تركيز” من الأبوين، لأن كلمة “برافو” أو “هائل” هي كلمات يستخدمها أي شخصفي المجاملات السريعة العابرة الباردة، التي تحمل القليل من المشاعر و الصدق و التقدير الحقيقي. أما النوع الثاني من الثناء فهو: الثناء الوصفي، حيث يقوم الأب أو الأم بالثناء على سلوك ابنهما من خلال وصف هذا السلوك، فتقول الأم لابنها مثلا: “أنت قمت بترتيب حجرتك وضعت الملابس في مكانها، و الألعاب في مكانها، و الكتب والكراسات في مكانها، أنت انسان منظم، أنا في منتهى السعادة لأنك منظم”. وهذا الثناء الوصفي له تأثير تربوي عظيم على الطفل، ليس فقط لأنه يمنحه التشجيع، ولكن أيضا لأنه يبني لديه تصور أدق عن المسئوليات والقدرات، ويغذيه لغويا، بالاضافة إلى أنه يمنحه الثقة بالنفس و الشعور بالاهتمام و التركيز والتقدير الحقيقي.

ثانيا: كيف ولماذا نطبق الثناء الوصفي:

يوضح علماء التربية أن الثناء الوصفي عبارة عن معادلة من ثلاثة مكونات:  وصف ما قام به الطفل بدقة + تسمية السلوك الذي قام به الطفل من خلال كلمات واضحة + التعبير عن مشاعر الأب أو الأم تجاه هذا السلوك.

أمثلة:

  • أنت ساعدت أخاك في حمل حقيبته لأنه مريض، وجهزت له فراشه، وقدمت له الماء، أنت شهم وسند لأخيك، أنا فخورة بأخلاقك وأفعالك”
  • أنت لم تستسلم عندما تعرضت للظلم في المدرسة، واستطعت أن تأخذ حقك دون أن تعتدي على أحد، أنت انسان واثق في نفسك حريص على حقولك وفي نفس الوقت غير معتدي على الآخرين، أنا مبهورة بهذا السلوك”
  • أنت استطعت أن تنتهي من واجباتك المدرسية، رغم ضيق الوقت و صعوبة الواجبات، أنت انسان لديه القدرة على ادارة وقته، وعنده دأب واصرار، أنا منبهرة بهذه المهارات
  • أنت أجلت بعض الطلبات التي طلبتها مني لأنك تعلم أن الميزانية لم تسمح، أنت انسان متحمل المسئولية، أنا مطمئنة عليك في هذه الحياة.
  • أنت رسمت لوحة فنية رائعة، كل شيء فيها موجود بشكل جميل: حجم الأشجار، ألوان الزهور، الناس و السماء و الطيور، أنت فنان وموهوب، أنا متحمسة لهذه الموهبة ومتتظرة المزيد.

وهكذا، نحن نصف السلوك بالتفصيل ونسميه اسما ونعبر عن شعورنا تجاهه، وهذا –كما ذكرنا – لا يؤدي فقط للتشجيع وتعزيز السلوك، ولكنه يؤدي أيضا تأثيران تربويان أساسيان:

  1. يبني لدي الطفل تصور أدق عن المسئوليات و القدرات و يمنحه الثقة بالنفس و يغذيه لغويا:

فنحن حين نصف ماقام به الطفل، نوضح له ما فعله، لأنه أحيانا يتصرف باندفاع من المشاعر أو الفطرة، ولا يدرك ماذا فعل بالظبط. أو هو عندما يعبر عن مواهبه  بشكل ما، لا يفهم أين تكمن الموهبة، أو ما الذي

  1. يمنحه الشعور بالاهتمام و التركيز والتقدير الحقيقي من الأبوين

 

ثالثا: كيف نمارس التعاطف:

التعاطف مهارة يتم اكتسابهما بالتدريب و الممارسة، وهناك خطوات عملية كثيرة ذكرها التربويون لتطبيق التعاطف أولتطبيق  ما يسمونه “المواجدة” و المواجدة المتقدمة”، ولكننا سنكتفي هنا بأبسط خطوات التعاطف، وهي ثلاثة خطوات أساسية نحتاج للتدريب عليها:

الخطوة الأولى: الاصغاء و الانتباه التام للابن (الالتفات إليه جسديا، والاستماع إليه بتركيز، وإظهار علامات الانتباه بالوجه والعينين، دون تجهم أو إرهاب)

الخطوة الثانية: الاعتراف “بالمشاعر” و تقبلها بكلمات أو إيماءات واضحة (فليس هناك تعارض بين أن نرفض سلوك ما وبين أن نعترف ونقدر المشاعر المصاحبة لهذا السلوك)

الخطوة الثالثة: افتح نافذة للمستقبل و للتوجيه

أمثلة ومواقف عملية:

مثال 1- ابنك حصل على درجة منخفضة فى الامتحان

الأم غير المتعاطفة:  هذا مصيرك المتوقع – طالما قلت لك ذاكر  – أنت هكذا دائما تخيب آمالي – انت تبكي الآن وقد فات وقت الندم!!

الأم المتعاطفة: انا أشعر بك وأعلم أنك من داخلك غير سعيد لهذه النتيجة – أنا أعلم أن الموقف صعب جدا – نحتاج أن نجلس معا لنتحدث ما كيف يمكن أن نعالج أوجه الضعف-

 

مثال 2 : حدثت مشادة بين الاب والابن وقال الابن لأبيه أنه يكرهه

الأم غير المتعاطفة: أنا فشلت في تربيتك – انت قليل الادب

الأم المتعاطفة : انا أعلم أنك مضغوط –  ولكننا نحتاج أن نجلس لنتكلم هل الضغوط تسمح لك أن تقول هذا لأبيك

 

مثال 3:  طالبة تقول لأمها أن صديقتها تركتها لتصاحب أخرى

الأم غير المتعاطفة: : انتبهي لمذاكرتك أفضل  – ما هذه التفاهة، فلتذهب صديقتك للجحيم، ركزي في مستقبلك

الأم المتعاطفة :أنا أشعر بك تماما – ياله من  موقف مؤلم – تضمها لتقول: هذا الموضوع لابد أن  نتكلم فيه – الصداقة شيء مهم في حياتنا نحتاج أن نتعلم كيف نختار وكيف نستمر

وأخيرا: هذه الخطوات الثلاثة تحتاج إلى تدريب، أحيانا ستنسى وأحيانا ستتذكر، أحيانا سيغلبك الغضب وأحيانا ستكون مهارتك أكبر من الغضب. وتذكر أنك احتجت شهورا لتتعلم مهارة قيادة السيارة على سبيل المثال، فلا تتعجل اكتساب مهارة التعاطف، واعطها وقتها من التدريب و التمرين النفسي و العقلي و الوجداني.

 

 

عن qalb kabeer

شاهد أيضاً

في العيد .. افرحوا … وساعدوا أبناءكم على الفرح

في العيد .. افرحوا … وساعدوا أبناءكم على الفرح د. فيروز عمر كثير من بيوتنا …