عشر دقائق كل يوم تخطيط للتربية
د. فيروز عمر
مفهوم “التخطيط” لا يحتل مكانة كبيرة في حياة كثير من الآباء و الأمهات رغم أنه أمر ليس أمرا مستحيلا أو صعبا. نحن فقط غير معتادين عليه لذلك لا نمارسه، ونفضل اللجوء إلى خطط “سابقة التجهيز” لكي نطبقها مع أبنائنا، وهذا اختيار غير حكيم لأن قدرات الأبناء وظروف الحياة و الطباع والميول والاتجاهات مختلفة، تختلف من طفل للآخر ومن بيت للآخر، بل وتختلف في نفس الطفل من مرحلة لأخرى، مما يدعونا إلى أن ينحت كل منا الخطة الأنسب له ولابنه.
و التخطيط – ببساطة شديدة – هو أن تحدد هدفا تسعى للوصول إليه، وتحدد وسائل لتحقيق هذا الهدف في إطار زمني واضح ومسئوليات واضحة، وأن يترتب عليه خطوة عملية تنقله من الخيال للواقع.
على سبيل المثال: أب يشكو من ضعف التواصل مع ابنه، وبالتالي فهو يضع هدفا أن يطور مهارة “الانصات” لديه، و يحدد وسيلة: أن يخلق حوارا يوميا مع ابنه حول أحد اهتمامات الابن بشرط أن يكون الأب خلال الحوار مستمعا جيدا، وأن تبدأ هذه الوسيلة من اليوم مع اعطاء وقتا أطول يوم الأجازة الأسبوعية، وأن يأخذ الأب خطوة عملية وهي قراءة كتاب عن مهارة الانصات.
مثال آخر: أم تعاني من أن ابنتها تسرق من زميلاتها في الفصل، وبالتالي حددت هدفا أن تتقرب إليها لتكسب ثقتها فتفتح البنت قلبها لأمها، وحددت وسيلة أن تذهبا معا للنادي يوم العطلة و تلعبان معا اللعبة المفضلة للبنت، ثم بعد ذلك تبدأ معها حوارا حول المشكلة. ثم أخذت الأم خطوة عملية ورتبت جدولها استعدادا للذهاب للنادي.
مثال ثالث: أم تضع هدفا أن تستثمر الذكاءات الأعلى لابنها، حيث اكتشفت أن الذكاء الموسيقي هو الأعلى، فحددت وسيلة أن تشترك له في دورة تدريبية موسيقية بدءا من السبت القادم، وأخذت خطوة عملية وهي البحث عن أماكن دورات تعليم الموسيقى.
كما رأينا، الأمر ليس صعبا، كل ما يتطلبه هو تحديد الهدف بوضوح، واختيار الوسيلة المناسبة، والالتزام بتنفيذ هذه الوسيلة في جدول زمني محدد، وتحديد خطوة عملية للبدء.
ولكن بما أن الأمر يبدو سهلا، أين تكمن الصعوبة؟ الصعب في المسألة هو: التعود على هذا السلوك، وأن يكون التخطيط من أجل التربية سلوك يومي يستغرق ولو دقائق يوميا دون انقطاع، يراجع خلالها الأب أو الأم الأهداف و الوسائل، ويحاسب كل منهما نفسه عن مدى التزامه بما كلف نفسه به، أو يلجأ لعمل تعديل للهدف في اتجاه هدف آخر أنسب، أو يبدع في ابتكار وسائل جديدة لأن تلك التي جربناها لم تفلح.؛ هذا هو الجزء الصعب في المسألة: التعود و الالتزام والمرونة و الابتكار.
ولا يقولن أحد: وهل التربية – تلك المسئولية الفطرية – هل تحتاج تخطيط؟ هل أحتاج أن أضع خطة لأقول لابني: أنا أحبك ثلاث مرات قبل الأكل وبعد الأكل؟ الاجابة: نعم!! تحتاج أن تخطط لتقول لابنك “أحبك”.. وتحتاج أن تخطط لتحسين مهارات التواصل معه، ولتطوير قدراته، واكتشاف نقاط قوته واستثمارها، ولعلاج مشكلاته النفسية، ولإرساء القوانين، ولادارة الاختلافات، ولتعليمه وتأديبه ومشاركته الحياة.
نعم، هناك أمور تنتقل إلى ابنك دون تخطيط، فعصبيتك – مثلا- تنتقل إليه بالعدوى دون تخطيط منك، وعلى الجانب الآخر بعض صفاتك الطيبة تنتقل إليه أيضا دون تخطيط (بشرط أن يكون محبا لك)، ولكن تظل القاعدة هي أن: ما لا تخطط له لن يحدث!!
والآن، إليك بعض العوامل المساعدة للتخطيط للتربية:
- الابن شريك أساسي في التخطيط، لسببين: أولا: لأنه قد يرى ما لا تراه عن نفسه أو عن بعض ظروفه، وثانيا: لأنه فاعل وليس مفعولا به، فنحن لسنا آلهة، وإنما نملك بعض الخبرة في الحياة ونسعى أن يستفيد منها أبناؤنا أقصى استفادة دون أن نجور على شخصياتهم أو اختياراتهم التي تنمو بالتدريج.
- خصص نوتة (دفتر صغير) للتخطيط للتربية واجعلها معك دائما.
- خصص عشر دقائق كل يوم لمتابعة الأهداف والوسائل و الخطوة العملية الخاصة بكل هدف، وخصص وقتا أطول كل أسبوع.
- لا تضع في في خطتك أهدافا كثيرة ووسائل كثيرة، وإنما اختار ثلاثة أو أربعة أهداف ووسائل وركز فيها وتغافل مؤقتا عن باقي الأهداف، ثم أضف أهدافا جديدة بالتدريج.
- سجل أهدافك التالية في مكان ما في النوتة، حتى لا تنساها، ثم أضفها للخطة في الوقت المناسب.
- من الأفضل التشارك بين الأب و الأم في التخطيط، واذا كان أحدهما أفضل من الآخر تربويا، فليأخذ السبق و يستعين بالآخر و يوظفه لخدمة الهدف المشترك قدر استطاعته.
- تعلم من أخطائك في التخطيط، فقد تكون وضعت هدفا غير منطقي أو وسيلة غير مناسبة، فنحن نستفيد من الأخطاء بأن نتعلم منها ونبني عليها.
- ابتعد تماما عن الخطط سابقة التجهيز، ولا تضع هدفا لمجرد أن الكرة الأرضية كلها تحلم به، فهو قد يكون غير مناسب لابنك.
وأخيرا.. عندما تخطط قد تتحق بعض الأهداف، وقد لا يتحقق البعض الآخر، ولكننا اذا لم نخطط لن يتحقق شيء على الاطلاق.