والأطفال أيضا يقعون في الحب
د.فيروز عمر
رغم أن مشاعر الحب بين الجنسين بدأت مع بداية الانسانية، ورغم كل ما كتبه عنه علماء النفس والتربويون والشعراء والأدباء، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم أننا حقا فهمنا الحب فهما دقيقا وتأكدنا من دوافعه وأسبابه وكيفية التعامل معه… ويزداد الأمر صعوبة عندما يتعلق بالحب بين الجنسين عند الأطفال، ذلك عندما نجد طفلة في مرحلة الحضانة تحب زميلها، أو طفلا في العاشرة معجب بجارته!! ثم يأتي السؤال: هل هذا حب حقيقي؟ أم أنه شيء يشبه الحب؟ وكيف يجب أن يتعامل معه المربون؟
وفي البداية أوضح أنني في هذا المقال لا أتحدث عن ثلاثة مساحات:
- لا أتحدث عن اللعب الجنسي العابر؛ وهو الممارسات الجنسية التي تحدث بين الأطفال في مرحلة الطفولة ويكون الدافع وراءها هو مجرد الاستكشاف والفضول، وتحدث غالبا بشكل عابر، ويكون سببها ضعف في التربية الجنسية.
- ولا أتحدث عن اللعب الجنسي المنحرف؛ وهو أن تستمر هذه الممارسات برضا من الطرفين لفترة أطول في الطفولة المتأخرة، وتصبح سلوكا جنسيا مضطربا ، ويكون سببها أن الطفل يتعرض للتحرش الجنسي المتكرر، أو يرى مشاهد جنسية باستمرار على الانترنت أو الفضائيات أو بين أبيه وأمه ، فيتجه نحو تقليد ما رآه من خلال اللعب الجنسي.
- ولا أتحدث عن التحرش الجنسي، وهو ممارسات جنسية منحرفة يمارسها شخص بالغ أو مراهق مع طفل أصغر، وتكون عادة عن غير رغبة الطفل الضحية.
لا أتحدث هنا عن هذه الصور الثلاثة، وإنما أتحدث عن مشاعر الاعجاب الأكثر براءة والتي تشعر بها طفلة تجاه طفل أو العكس، ما دوافعها؟ وكف يمكن أن نتعامل معها؟
ونستطيع أن نقسم هذه المشاعر إلى مرحلتين: مرحلة من سن الخامسة إلى التاسعة، ومرحلة من التاسعة إلى البلوغ:
المرحلة الأولى (من سن الخامسة إلى التاسعة): حيث قد يحدث اعجاب بين الجنسين في هذه المرحلة، ويكون لأحد هذه الأسباب:
- التقليد، وهذا يسمى في علم النفس التعلم الاجتماعي أو التعلم بالنمذجة، حيث يميل الطفل – بشكل لا إرادي – لتقليد ما يراه حوله في الأعمال الدرامية التليفزيونية أوالأفلام أو حتى ما يسمعه من قصص عن الحب من أخوته الكبار أو حكايات الأهل.
- الميل الانساني الطبيعي، فمشاعر الحب الانساني قد تحدث بين أي شخص وآخر سواء كان من نفس الجنس أو من الجنس الآخر، حيث تجد شخصا يستريح لشخص لتوافق نفسي بينهما.
- الاثنين معا (الميل الانساني الطبيعي الذي يتطور إلى تقليد الأداء العاطفي)، وهنا يحدث ميل طبيعي بين طفل وطفلة، ثم يأخذ هذا الميل منحنى عاطفي بدافع من التقليد، وكأنهما يتصوران أن الاعجاب بين الذكر والأنثى لا يأخذ إلا هذه الصورة، فيتجهان نحوها، فيأخذ الحب شكلا رومانسيا ظاهريا بينما هو في حقيقته ليس كذلك.
و في هذه المرحلة، يجب أن ينتبه المربي إلى نقطتين أساسيتين، و هما:
أولا: التعامل مع الطفل بهدوء شديد، فلا نبدي انزعاجا أو رعبا تجاه سلوكه، لأن هذا يثير فضوله أكثر. وعلى العكس أيضا لا نتعامل مع الموقف بروح الدعابة الزائدة أو الإشارة إلى “أنك كبرت وأصبحت تحب” لأن هذا سيسبب ما يسمى “تعزيز السلوك”، أي أن هذا السلوك سيرتبط عند الطفل بمكافأة وهي “لفت الانتباه”، وبالتالي سيتعمد تكراره للحصول على المزيد من النجومية ولفت الانتباه.
الثاني: هو بدء الحوار عن العلاقة بين الجنسين، والاتفاق على حدود تلك العلاقة. ولا أقصد هنا أن يكون الحوار وعظيا آمرا ناهيا، ولكنه ـ كأي حوار- هادئ متعاطف ودود، يطرح الأسئلة ويساعد الطفل على الوصول للإجابات. ويدور الحوار حول: حدود الصداقة بين الولد والبنت، وأن العلاقات العامة مفتوحة ومقبولة طالما أنها وسط المجموعة وفي حدود الأنشطة الطبيعية العامة، وأن هناك صور أخرى من العلاقة ليس وقتها الآن. يتم هذا بذكاء، وبشكل يختلف من حالة لأخرى حسب المرحلة التي وصلت إليها العلاقة.
المرحلة الثانية (من التاسعة إلى البلوغ): والاعجاب بين الجنسين في هذه المرحلة قد يرجع إلى نفس الأسباب السابقة، وهي مجرد التقليد أو الاعجاب الانساني أو كلاهما معا كما وضحنا، ويكون دورنا هنا هو ما ذكرناه سابقا، مع تطور لغة الحوار لتتناسب مع السن الأكبر. ولكنه أيضا قد يرجع إلى سبب آخر وهو وجود عاطفة حب حقيقية بين الجنسين، وذلك لأن النمو العاطفي والعقلي والاجتماعي والهرموني يكون قد بدأ بالفعل متجها نحو البلوغ. أي أن لحظة البلوغ (وهي نزول المني للفتى، والحيض للفتاة) ليست لحظة بداية رحلة هذا النوع من النمو في المشاعر، وإنما قد نرى علاماته من قبلها (على سبيل المثال كما يبدأ شكل الجسد يتغير قبيل البلوغ بعام أو عامين فإن المشاعر أيضا تنمو لأن السبب لكليهما واحد وهو بدء حدوث نمو نفسي وجسدي في اتجاه البلوغ) .. وعادة يحدث هذا للبنات قبل الذكور (لأن سن البلوغ في الاناث قبل الذكور). وهنا يكون لدينا تحد كبير، لأننا نجد أنفسنا أمام طفلة في العاشرة – مثلا – تحب فعلا!! والتحدي ناتج عن عدة أمور: 1) فكرة الزواج الآن بالتأكيد مستحيلة!! وبالتالي فإن هذه المشاعر محكوم عليها بالاعدام المؤكد، 2) السيطرة على المشاعر في هذه السن الصغيرة في منتهى الصعوبة، فالمشاعر جارفة ومهارات ادارة الذات والسيطرة على الرغبات لم تُكتسب بعد، 3) الابتعاد عن هذا الشخص يكون صعبا، لأنه قد يكون زميل في الدراسة، وبالتالي فهما يلتقيان كل يوم بحكم الدراسة.
وهنا يجب أن يدرك المربي أنه يتعامل أمام مشاعر حب مبكر… ربما تقف عند درجة الاعجاب فقط، أو ربما تتجاوزها إلى درجات أعلى من الألفة والتعلق، ولكن السمات المشتركة في هذه المراحل جميعها هي وجود انجذاب حقيقي يصعب الإفلات منه. وبالتالي فإن التعامل مع هذا الحب المبكر يدور حول خمسة ملامح:
- إبداء مشاعر التعاطف تجاه الطفل (والتعاطف لا يعني “أنا موافق”، ولكنه يعني “أنا أفهم وأشعر بما تعيشه”
- التأكيد على أنك مع الطفل في نفس المعسكر، فأنت لست جهة ضغط أو تكدير، وإنما جهة دعم ومساندة، وبالتالي حافظ على استمرار الحوار بينكما وأن يرجع إليك لتدعمه.
- هذه الحوارات ستكون طويلة ومتكررة (ستجد نفسك تناقش نفس الأفكار رغم أنك ناقشتها من قبل مائة مرة)، حوارات حول: أن هذه المشاعر طبيعبة في هذا السن، ولكن هناك فرق بين المشاعر والعلاقة (المشاعر لاارادية في القلب، ولكن العلاقة ارادية بالجوارح والنظرة والابتسامة واللقاء)، وأن العلاقات في هذه المرحلة مبكرة جدا، وخسائرها أكبر من مكاسبها. وأنه يمكن عدم الاستسلام لها (فهذا ليس مستحيلا)، وأن تعويد النفس على عدم الاستسلام وعلى السيطرة على الرغبات التي ليست في وقتها هو في الحقيقة يربي النفس على التحكم في رغباتها، وهذا هو الفرق بين الانسان والحيوان (حيث يستطيع الانسان أن يتحكم في رغباته بينما لا يستطيع الحيوان)
- قطع سبل اتاحة العلاقة ـ قدر المستطاع، وإن كان ذلك مستحيلا أحيانا إن كان في نفس الفصل، ولكن أضعف الإيمان أن يكون التواصل في اطار الأنشطة العامة وفي وسط المجموعة
- عمل برنامج للدعم النفسي للطفل، من أنشطة محببة إليه، وأنشطة روحية، وأوقات للبهجة مع الأبوين، ومساعدته في اختيار الأصدقاء الأكثر دعما له على ليكون أفضل. وذلك مع التأكيد على زيادة ثقته بنفسه وثقته في قدرته على النمو والنضج، وأنه بدأ رحلة الحياة المليئة بالرغبات وربما المشكلات، ولكنها مليئة أيضا بالسعادة والرضا، وأن هناك من يقررون الاندفاع وراء ضعفهم في هذه الرحلة، وهناك من يسيطرون على أنفسهم، وأنه هو الذي يختار أي الطريقين يريد، وأن التحديات البسيطة من بدايات المراهقة هي التي تحدد خط سير الحياة كلها.
وأخيرا.. ليس المطلوب منا أن نجعل من أبنائنا ملائكة، لأننا نحن أنفسنا لسنا كذلك، ولكن المطلوب أن نوضح الخط الفاصل بين الصواب والخطأ، وأن نعطيهم من المهارات والأخلاق والأفكار ما يساعدهم على الابتعاد عن الخطأ أو على العودة إذا ما وقعوا فيه. وكما نقول دائما: أهم أساسيات التعامل مع المراهقة ومقدماتها هو: إعطاء الفرصة دائما للعودة..